فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (83):

{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)}
قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} يعني كفار مكة حين كذبوا بعذاب الآخرة. أي اتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} إما العذاب في الدنيا أو في الآخرة.
وقيل: إن هذا منسوخ بآية السيف.
وقيل: هو محكم، وإنما أخرج مخرج التهديد. وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد وابن القعقاع وابن السميقع {حتى يلقوا} بفتح الياء وإسكان اللام من غير ألف، وفتح القاف هنا وفي {الطور} و{المعارج}. الباقون {يُلاقُوا}.

.تفسير الآية رقم (84):

{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)}
هذا تكذيب لهم في أن لله شريكا وولدا، أي هو المستحق للعبادة في السماء والأرض.
وقال عمر رضي الله عنه وغيره: المعنى وهو الذي في السماء إله في الأرض، وكذلك قرأ. والمعنى أنه يعبد فيهما. وروي أنه قرأ هو وابن مسعود وغيرهما {وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله} وهذا خلاف المصحف. و{إِلهٌ} رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي وهو الذي في السماء هو إله، قاله أبو علي. وحسن حذفه لطول الكلام.
وقيل: {في} بمعنى على، كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أي على جذوع النخل، أي هو القادر على السماء والأرض. {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} تقدم.

.تفسير الآية رقم (85):

{وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)}
{تَبارَكَ} تفاعل من البركة، وقد تقدم. {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} أي وقت قيامها. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} بالياء. الباقون بالتاء. وكان ابن محيصن وحميد ويعقوب وابن أبي إسحاق يفتحون أوله على أصولهم. وضم الباقون.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} {مِنْ} في موضع الخفض. وأراد ب {الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} عيسى وعزيرا والملائكة. والمعنى ولا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وآمن على علم وبصيرة، قاله سعيد بن جبير وغيره. قال: وشهادة الحق لا إله إلا الله.
وقيل: {مَنْ} في محل رفع، أي ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة، يعني الآلهة- في قول قتادة- أي لا يشفعون لعابديها إلا من شهد بالحق، يعني عزيرا وعيسى والملائكة فإنهم يشهدون بالحق والوحدانية لله. {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} حقيقة ما شهدوا به.
وقيل: إنها نزلت بسبب أن النضر بن الحارث ونفرا من قريش قالوا: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة وهم أحق بالشفاعة لنا منه، فأنزل الله {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} أي اعتقدوا أن الملائكة أو الأصنام أو الجن أو الشياطين تشفع لهم ولا شفاعة لاحد يوم القيامة. {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} يعني المؤمنين إذا أذن لهم. قال ابن عباس: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} أي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وقيل: أي لا يملك هؤلاء العابدون من دون الله أن يشفع لهم أحد إلا من شهد بالحق، فإن من شهد بالحق يشفع له ولا يشفع لمشرك. و{إِلَّا} بمعنى لكن، أي لا ينال المشركون الشفاعة لكن ينال الشفاعة من شهد بالحق، فهو استثناء منقطع. ويجوز أن يكون متصلا، لان في جملة {الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} الملائكة. ويقال: شفعته وشفعت له، مثل كلته وكلت له. وقد مضى في البقرة معنى الشفاعة واشتقاقها فلا معنى لإعادتها.
وقيل: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} إلا من تشهد له الملائكة بأنه كان على الحق في الدنيا، مع علمهم بذلك منه بأن يكون الله أخبرهم به، أو بأن شاهدوه على الايمان.
الثانية: قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} يدل على معنيين: أحدهما- أن الشفاعة بالحق غير نافعة إلا مع العلم، وأن التقيد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة. والثاني- أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها. ونحوه ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع». وقد مضى في البقرة.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)}
قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي لأقروا بأن الله خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئا. {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي كيف ينقلبون عن عبادته وينصرفون عنها حتى أشركوا به غيره رجاء شفاعتهم له. يقال: أفكه يأفكه إفكا، أي قلبه وصرفه عن الشيء. ومنه قوله تعالى: {قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا} [الأحقاف: 22].
وقيل: أي ولين سألت الملائكة وعيسى {مَنْ خَلَقَهُمْ} لقالوا الله. {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي فأنى يؤفك هؤلاء في ادعائهم إياهم آلهة.

.تفسير الآية رقم (88):

{وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88)}
في {قِيلِهِ} ثلاث قراءات: النصب، والجر، والرفع. فأما الجر فهي قراءة عاصم وحمزة. وبقية السبعة بالنصب. وأما الرفع فهي قراءة الأعرج وقتادة وابن هرمز ومسلم بن جندب. فمن جر حمله على معنى: وعنده علم الساعة وعلم قيله. ومن نصب فعلى معنى: وعنده علم الساعة ويعلم قيله، وهذا اختيار الزجاج.
وقال الفراء والأخفش: يجوز أن يكون {قِيلِهِ} عطفا على قوله: {أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ} [الزخرف: 80]. قال ابن الأنباري: سألت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد بأي شيء تنصب القيل؟ فقال: أنصبه على {وعنده علم الساعة ويعلم قيله}. فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على {تُرْجَعُونَ}، ولا على {يَعْلَمُونَ}. ويحسن الوقف على {يَكْتُبُونَ}. وأجاز الفراء والأخفش أن ينصب القيل على معنى: لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله، كما ذكرنا عنهما فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على يَكْتُبُونَ. وأجاز الفراء والأخفش أيضا: أن ينصب على المصدر، كأنه قال: وقال قيله، وشكا شكواه إلى الله عز وجل، كما قال كعب بن زهير:
تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم ** إنك يا بن أبي سلمى لمقتول

أراد: ويقولون قيلهم. ومن رفع قِيلِهِ فالتقدير: وعنده قيله، أو قيله مسموع، أو قيله هذا القول. الزمخشري: والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر النظم. وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه. والرفع على قولهم: أيمن الله وأمانة الله ويمين الله ولعمرك، ويكون قوله: {إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ} جواب القسم، كأنه قال: وأقسم بقيله يا رب، أو قيله يا رب قسمي، إن هؤلاء قوم لا يؤمنون.
وقال ابن الأنباري: ويجوز في العربية {وقيله} بالرفع، على أن ترفعه بإن هؤلاء قوم لا يؤمنون. المهدوي: أو يكون على تقدير وقيله قيله يا رب، فحذف قيله الثاني الذي هو خبر، وموضع {يا رَبِّ} نصب بالخبر المضمر، ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع حذف بعض الموصول وبقي بعضه، لان حذف القول قد كثر حتى صار بمنزلة المذكور. والهاء في {قِيلِهِ} لعيسى، وقيل لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد جرى ذكره إذ قال: {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ} [الزخرف: 81]. وقرأ أبو قلابة {يا رب} بفتح الباء. والقيل مصدر كالقول، ومنه الخبر: نهى عن قيل وقال. ويقال: قلت قولا وقيلا وقالا. وفي النساء: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122].

.تفسير الآية رقم (89):

{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}
قال قتادة: أمر بالصفح عنهم ثم أمره بقتالهم، فصار الصفح منسوخا بالسيف. ونحوه عن ابن عباس قال: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} أي أعرض عنهم. {وَقُلْ سَلامٌ} أي معروفا، أي قل لمشركي أهل مكة {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ثم نسخ هذا في سورة براءة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] الآية.
وقيل: هي محكمة لم تنسخ. وقراءة العامة {فسوف يعملون} بالياء على أنه خبر من الله تعالى لنبيه بالتهديد. وقرأ نافع وابن عامر {تعلمون} بالتاء على أنه من خطاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمشركين بالتهديد. و{سَلامٌ} رفع بإضمار عليكم، قاله الفراء. ومعناه الامر بتوديعهم بالسلام، ولم يجعله تحية لهم، حكاه النقاش.
وروى شعيب بن الحبحاب أنه عرفه بذلك كيف السلام عليهم، والله أعلم.

.سورة الدخان:

سورة الدخان مكية باتفاق، إلا قوله تعالى: {إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا} [الدخان: 15]. وهي سبع وخمسون آية. وقيل تسع. وفي مسند الدارمي عن أبي رافع قال: «من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له وزوج من الحور العين» رفعه الثعلبي من حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له». وفي لفظ آخر عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قرأ الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك». وعن أبي أمامة قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتا في الجنة».

.تفسير الآيات (1- 3):

{حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)}
إن جعلت {حم} جواب القسم تم الكلام عند قوله: {الْمُبِينِ} ثم تبتدئ {إِنَّا أَنْزَلْناهُ}. وإن جعلت {إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} جواب القسم الذي هو {الْكِتابِ} وقفت على {مُنْذِرِينَ} وابتدأت {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.
وقيل: الجواب {إِنَّا أَنْزَلْناهُ}، وأنكره بعض النحويين من حيث كان صفة للمقسم به، ولا تكون صفة المقسم به جوابا للقسم، والهاء في {أَنْزَلْناهُ}
للقرآن. ومن قال: أقسم بسائر الكتب فقوله: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ} كنى به عن غير القرآن، على ما تقدم بيانه في أول {الزخرف} والليلة المباركة ليلة القدر. ويقال: ليلة النصف من شعبان، ولها أربعة أسماء: الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصك، وليلة القدر. ووصفها بالبركة لما ينزل الله فيها على عباده من البركات والخيرات والثواب.
وروى قتادة عن واثلة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزلت الزبور لاثنتي عشرة من رمضان وأنزل الإنجيل لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان». ثم قيل: أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في هذه الليلة. ثم أنزل نجما نجما في سائر الأيام على حسب اتفاق الأسباب.
وقيل: كان ينزل في كل ليلة القدر ما ينزل في سائر السنة. وقيل كان ابتداء الانزال في هذه الليلة.
وقال عكرمة: الليلة المباركة ها هنا ليلة النصف من شعبان. والأول أصح لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]. قال قتادة وابن زيد: أنزل الله القرآن كله في ليلة القدر من أم الكتاب إلى بيت العزة في سماء الدنيا، ثم أنزله الله على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة. وهذا المعنى قد مضى في البقرة عند قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]، ويأتي آنفا إن شاء الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (4):

{فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)}
قال ابن عباس: يحكم الله أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق. وقاله قتادة ومجاهد والحسن وغيرهم.
وقيل: إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران، قاله ابن عمر. قال المهدوي: ومعنى هذا القول أمر الله عز وجل الملائكة بما يكون في ذلك العام ولم يزل ذلك في علمه عز وجل.
وقال عكرمة: هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد.
وروى عثمان بن المغيرة قال قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى». وعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا نهارها فإن الله ينزل لغروب الشمس إلى سماء الدنيا يقول ألا مستغفر فأغفر له ألا مبتلى فأعافيه ألا مسترزق فأرزقه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر» ذكره الثعلبي. وخرج الترمذي بمعناه عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب».
وفي الباب عن أبي بكر الصديق قال أبو عيسى: حديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحجاج بن أرطاه عن يحيى بن أبي كثيرة عن عروة عن عائشة، وسمعت محمدا يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة والحجاج بن أرطاه لم يسمع من يحيى بن أبي كثير. قلت: وقد ذكر حديث عائشة مطولا صاحب كتاب العروس، واختار أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ليلة النصف من شعبان، وأنها تسمى ليلة البراءة. وقد ذكرنا قوله والرد عليه في غير هذا الموضع، وأن الصحيح إنما هي ليلة القدر على ما بيناه. روى حماد ابن سلمة قال أخبرنا ربيعة بن كلثوم قال: سأل رجل الحسن وأنا عنده فقال: يا أبا سعيد، أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي؟ قال: أي والله الذي لا إله إلا هو، إنها في كل رمضان، إنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها.
وقال ابن عباس: يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحج، يقال: يحج فلان ويحج فلان.
وقال في هذه الآية: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى، وهذه الإبانة لأحكام السنة إنما هي للملائكة الموكلين بأسباب الخلق. وقد ذكرنا هذا المعنى آنفا.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وجمهور العلماء على أنها ليلة القدر. ومنهم من قال: إنها ليلة النصف من شعبان، وهو باطل لان الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] فنص على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عين من زمانه الليل ها هنا بقوله: {فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ}، فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله، وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها. الزمخشري: وقيل يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبريل، وكذلك الزلازل والصواعق وال والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت. وعن بعضهم: يعطى كل عامل بركات أعماله، فيلقى على ألسنة الخلق مدحه، وعلى قلوبهم هيبته. وقرئ: {نفرق} بالتشديد، و{يفرق} كل على بنائه للفاعل ونصب {كل}، والفارق الله عز وجل. وقرأ زيد بن علي رضي الله عنه {نفرق} بالنون. {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} كل شأن ذي حكمة، أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة.